بلدتي الحبيبة ( حــــتــــا )

بسم الله الرحمن الرحيم

قرية " حتا " من قضاء المجدل لواء غزة

" حتا " واحدة من مئات القرى والمدن الفلسطينية التي تعرضت للغزو الصهيوني والتشرد ، إنها واحدة من المدن والقرى التي بناها أجدادنا بالعرق والدم والدموع ، وتوارثتها جيلاً بعد جيل منذ آلاف السنين .
حيث كانت تسكنها قبيلة( الحت ) التي نسب اسم القرية .

موقعها :
إذا سرت بالسيارة من المجدل ( عسقلان ) غرباً إلى الخليل شرقاً فإنك تجد في منتصف هذا الطريق مجموعة قرى ( حتا – كرتيا – الفلوجة ) ، كذلك هي في منتصف الطريق بين بئر السبع جنوباً ويافا شمالاً من النقب وسميت حتا نسبة إلى قبيلة الحت .

نشأتها :
( حتا ) قرية قديمة ودليل قدمها الألف التي في آخر اسمها إذ هذه الألف هي أل التعريف في اللغة الآرمية القديمة مثل ( حيفا – عكا – حتا – يافا ) وكان لها دور بارز في مقارعة الصليبيين ونظراً لأهمية موقعها المتوسط أريل صلاح الدين الأيوبي قوة لتحريرها من الصليبيين ، ولما أنهت الفرقة العسكرية مهمتها بنجاح عسكرت على ربوة جنوب (حتا) حيث توفي الواعظ الديني للقوة الشيخ : أحمد الفالوجي ( نسبة إلى الفلوجة في العراق ) وهكذا نشأت الفلوجة حول ضريحه ونمت بسرعة وأصبحت مركزاً لما حولها من القرى ومنها (حتا ) ، وحفظ أهل الفالوجة " لحتا " ذلك الفضل فظلوا على علاقة طيبة ومع أهلها من صداقة ومصارهرة وحسن أخوة وجوار أكثر من غيرها ..

أهل الفلوجة كلهم أنوا بها &&& وداً وشوقاً في القلوب تجسدا
فجميعهم حفظوا لحتا فضلها &&& ذاك الذي في الدهر بات مخلدا
حفظوا لحتا موقعاً وأصالةً &&& وريادة وفي العلم تسمو سرمدا

ذكر ياقوت الحموي " حت " في كتابه الشهير ( معجم البلدان ) كما ذكرها عارف العارف في كتابه وأشار إلى كثرة العلماء والمتخرجين ومن الأزهر من حتا و أما تاريخها الحديث فكفاحها ضد اليهود مشهور وقدمت أكثر قافلة من الشهداء ليلة احتلالها وصمدوا مرتلين قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ).
يصل حتا بخط المجدل الخليل طريق معبد ومرصوف يتفرع داخل القرية إلى شارعين عريضين ، أما باقي شوارع القرية فضيقة ومنازلها متقربة متلاصقة كتلاصق قلوب أهلها على الألفة والمودة .
بها بئر ارتوازي عميق مياهه عذبة باردة في أشد أيام القيظ حرارة كأنها السلسبيل تكفي لسكان القرية وماشيتهم ولكثير من الرعاة الذين يفدون إليها بأغنامهم للرعي عقب حصاد القمح الذي هو أشهر غلاتها .
فيها مسجدان أحدهما قديم جداً يسمى مسجد النبي عمران والثاني على أحدث طراز بناه أتباع طريقة الشيخ الشريف وهو مبني من الحجر الجبلي الأبيض الجميل وأرضه من الرخام وبه مصلى للنساء ودورة مياه ، وبها مدرسة ابتدائية بنيت من تبرعات أهل القرية .
أما كرومها فمحاطة بسياج من التين الشوكي " الصبر " الذي يكون هو الآخر فاكهة حلوة المذاق صيفاً .
هذه نبذة عن قريتي حتا وفيما يلي قصيدة للشاعر الاستاذ : ( محمد احمد صبح ) رحمه الله واسكنه فسيح جناته ..
سجل فيها ذكرياته عن قريته الحبيبة ( حتا )

ذكريات قريتي الحبيبة حتا
ليلاي تعجب ما رأيتك منشدا &&& إلا رأيت الدمع سال مبددا
ولمست قلبك خافقاً متأودا &&& وشهيق صدرك لافحاً مترددا
ذكر البلاد يهيج في شجونها &&& ويثير في صبابة وتنهدا
ولهان قد عصف الهوى بفؤاده &&& إذ شاقه طير البلاد مغردا
فانهل من عينيه دمع كآبة &&& يبكي على أمل يراه تبددا
هل ترجع العبرات موطن أمةٍ &&& أم هل يرق لها ضمير من أعتدى
كلا وربك ما نحق غايةً &&& إلا بسيف للمعامع جردا
بلدي وإني قد ذكرتك عاشقاً &&& هل ألثم الترب المعطر بالندى
بلدي فيك القدس أشرف بقعةٍ &&& معراج "أحمد" فالنفوس لها الفدا
فهي العريقة في حضارة يعربٍ &&& ولها من الأمجاد صرح شهيدا
وأنا أهيم بقريتي متشوقاً &&& لحقولها..لكرومها..للمنتدى
أين البيادر والحقول خصيبة &&& والكل جهز منجلا كي يحصدا
أين السفوح الوادعات ووادها &&& والزهر والحنون بات موردا
حــتــا ربيع دائم في خاطري &&& تشدو بدوحتها البلابل غردا
الغصن يرقص للنسيم مداعباً &&& شحرورها لما على فنن شدا
حتا.. وهل أنسى لعمري إنها &&& بلد الكرام فما لجودهم مدى
ياقوت سطر في المعجم نبذة &&& حتا معين للفصاحة والندى
إني لأنظر من خلال تذكري &&& فأشاهد الإخوان أموا المسجدا
والشيخ "جبر" في الجموع يؤمهم &&& ببيانه يدعو المضلل للهدى
فالقلب صافٍ كالحليب نقاوةً &&& والوجه يبدي للجميع توددا
فالقرية الخضراء يسعد أهلها &&& بصلاحهم والشمل مجموع يدا
كم نزهةٍ متعت فيها ناظري &&& ومضيت فوق دروبها كي أسعدا
فأشاهد الدلو الكبير يشده &&& جمل يسير رتابةً متعودا
يسقي العطاش معينه صافٍ غدا &&& دون العيون لكل صادٍ موردا
ويديره "عوض" الكفيف تناوباً &&& فشريكه "فهمي" مدّ له يدا
وإذا رأى "المختار"نشر بيانه &&& فهناك "عباس " يذيع مرددا
تلك المشاهد لا تفارق مقلتي &&& أمست خيالات جعلت لها الفدا
أنظر فديتك في حكاية عاشق &&& لبلاده صاغ القصيد وأنشدا
طاف الخيال به مرابع بلدة &&& كانت لنا واليوم عاث بها العدا
حين اكفهر سماؤها بغمامة &&& سوداء تمطرها النيازك والردى
هبت أعاصير الضلال بظلمها &&& تجتاح ربعا آمنا فتبدوا
وتفرق القوم الكرام مساربا &&& كل تقودك كالسراب إلى الصدى
أسلك طريق الرشد نهج محمد &&& واضرب بسيف الحق وجه من اعتدى
واقحم حصون الغدر دون هوادة &&& وارجع لأرضك بالبطولة سيدا
فالقدس والبلد الحبيب أمانة &&& أمح الغمامة عنهما تجد الهدى

هذه القصيدة للشاعر الأستاذ : محمد أحمد صبح . رحمة الله عليه
من ديوانه ( نفحات الأقصى )