بسم الله الرحمن الرحيم
فلتصدق النوايا يا ولاة الأمر ..!! بقلم / فتحي غنَّام
حالة صعبة من الترقب والمتابعة و الانتظار مرت على شعبنا الفلسطيني ، و القلق و الشك يساوره ، و أكف الضراعة مشرَّعة و مرفوعة للمولى العلي القدير أن يكلل جهود ممثليه بالنجاح و التوفيق لإنهاء حالة الانقسام و التشرذم و الضعف الناجمة و الناتجة عن الانقلاب الدموي الذي أنهك و مزق و هتك النسيج الفلسطيني من كافة النواحي ، وداس كل معاني الأخوة والوطنية ، و أظهرنا بعيون الآخرين بمنظار لا يليق و لا يتماشى مع طبيعة الشعب الفلسطيني الذي عانى و يعاني الأمرين ، و بحمد الله تعالى و توفيقه تم التوقيع فعلاً على المبادرة اليمنية التي قدمها الأخ / علي عبد الله صالح _ فخامة الرئيس اليمني _ حرصاً منه على التئام الجرح الفلسطيني النازف ، وحقن الدماء ، وجمع الشمل ، ورص الصفوف. و بمباركة الأمة العربية جمعاء و المحبين لهذا الشعب المناضل و ثورته العظيمة التي توجتنا وسام العزة و الشرف و حافظت بالدماء الزكية على الهوية و الذات و الشخصية الفلسطينية التي بكل عنفوان و تمرد و إصرار ترفض التبعية و الوصاية و الرضوخ و تأبى بكل إباء و عزة و كرامة العبث بالقرار الفلسطيني المستقل غير الخاضع للتجاذب أو التأثر .. و بهذا التوقيع على هذه المبادرة المباركة بإذن الله تعالى طمح شعبنا الفلسطيني على الأقل أن يتنفس الصعداء ، و يتحرر من أجواء التنافر و الشتم و القذف و التكفير و التخوين ، و إبداء النوايا الحسنة بين أبناء الشعب الواحد ليترعرع الأمل و ينبعث من جديد بعد وأده بأيديٍ ما أحبت إلا مصالحها ، و لم تعمل إلا لذاتها و لخدمة من يقف خلف مؤامرة تفتيت جهود و طاقات الشعب الفلسطيني ، و لكن إن ثمة بارقة أمل واحدة لم تحقق على الأرض في قطاع غزة المحتلة ، و لم تترجم النوايا التي زُعمت أنها حسنة وتشدق بها البعض مشافهة ليس إلا ، فلنا الظاهر و لله الباطن ، لأن الأعمال بالنيات . و لابد أن تضحى حقيقة ملموسة على أرض الواقع ، لأن الواقع هو الميدان فهو الوحيد الذي يمكن تصديقه ، وهو ساحة إثبات النوايا الحسنة إن وجدت أو مازالت حية باقية ، فنحن نريد عملاً على الأرض من خلال نوايا حسنة نابعة من روح الإيمان بالله أولاً ثم حرصاً على مصالح الشعب الواحد الذي مورست ضده كل أصناف القهر و الملاحقة و أضناه الحرمان الناجم عن الحصار اللئيم الذي خدم فئة على حساب كل الشعب لدرجة أن هناك مفاهيم قد ترسخت و عايشها الجميع أو على الأقل كافة الفصائل إلا حماس التي اغتصبت زمام الأمر و فرضت نفسها على دفة الحكم لتصبح حكومة الأمر الواقع رغماً عن الجميع و من خلال اللغة المحرمة و الملعونة و المتمثلة بالاحتكام للغة السلاح و القهر وممارسة كل أصناف القوة المفرطة و الظلم ، و لكن فإن دعوة المظلوم ليس بينها و بين الله حجاب ... فحسبنا الله ونعم الوكيل .
ففي الليلة الأولى التي عقبت توقيع المبادرة تأمل الجميع من أبناء شعبنا أن تبدأ بيارق الأمل في الظهور ، من أناس يقولون ويدعون أنهم ينطلقون من سماحة الإسلام و الدين ، و يدَّعون الحرص على الشعب و مصالحة لأنها ضرورة وواجب ديني و رباني ، و لكن إن الواقع و ما لمسه الجميع من ممارسات لم تشر ولو طرفة عين عن الأمل ، بل ازدادت الحدة في إظهار خلاف مزعوم بين الوفد إلى اليمن الشقيق و السلطة في رام الله - وفقها الله - و أطلق العنان للتصريحات التي لم تهدف إلا لزيادة الهوة و الشقاق و توسيع الصدع في الجسد الفلسطيني المنهك ، و الذي لم يعد متحملاً لتزايد الطعنات المتلاحقة وللأسف بأيدي من المفترض وطنياً و دينياً أن تضمد جراحاته و تسعفه من هذه الملمات ، لأن المتربصين كثر و لسنا بحاجة للمزيد ، فمرة وصفت تصريحات المبادرة بأنها إعلان مبدئي ، ثم أطار للحوار ، ثم إشارة لبدء التحاور ثم ... إلخ ..
لماذا كل هذا التأويل المقصود كأنه يهدف لإقناع و إرضاء طرف آخر خارج عن نطاق الشعب الفلسطيني و الإثبات له أن التوقيع على المبادرة لا يغني و لا يسمن من جوع إنما هو للإعلام فقط و للساذجين ... و لكن لنكن على قدر المسئولية لإرضاء الله أولاً الذي أمرنا بالوحدة و روح الجماعة و الاعتصام بحبله ، ويحب سبحانه وتعالى المؤمنين أن يقاتلوا في صفوفه كأنهم بنيان مرصوص ، فإن كانت لدى البعض القدرة على خداع الشعب و المناورة على تغيير الحقائق بكافة الوسائل والطرق ، فإنهم حتماً سيقفون أمام الله صاغرين عاجزين لأن الله تعالى يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ، و لا مجال للتغيير أو التزوير أو النفاق في المواقف و هو القائل ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون .. ) و الدين الإسلامي هو دين العاملين و ليس دين القائلين فاللسان يمكن تحريكه في كل الاتجاهات و لكن إنه هو الذي يحصد الويلات على صاحبه لأنه أمام الله تنتهي صلاحيته .. فما هي الحجة يومئذ يا من تحاولون أرضاء بعض الأطراف و على حساب كل شيء حتى و إن كان الدين في النهاية ، فالغاية تبرر الوسيلة في منهجكم المتبع و الممارس على الأرض .. وما جرى ويجري لهو الدليل الدامغ والدال على ذلك بالحقائق والبراهين ..
ولم يتوقف الأمر عند التصريحات و التأويلات و الافتراءات و تغيير الحقائق و المحاولات الوهنانة الهادفة لتغطية الشمس بغربال غير صالح حتى للاستعمال ، إنما هناك ممارسات ملحوظة شهدها قطاع غزة تنذر بعدم التفاؤل و بعد الأفق المشع المشرق .. فإن انتشار الملثمين في أزقة و شوارع و مناطق قطاع غزة و بهذه الكثافة لهو خير دليل على عدم تطابق النوايا بالوقائع فلماذا إرهاب الآمنين من الأطفال و الشيوخ و النساء ؟ هل هذا هو حفاظ على مصلحة الشعب ؟فإن كان كذلك فإن الذي يريد أن يحقق الأمن المزعوم لا يلزمه أن يخفي نفسه خلف لثمة مقيتة ملَّها الشعب ، و كذبها المجتمع بأسره ، فإن رجل الأمن معروف بهويته بوجهه بكيانه ، لا من خلف قناع مزيف مخالف كلياً لكل أنظمة الأمن . هل يا ترى انتهى الدور النضالي ليتحول لإرهاب المواطن المغلوب على أمره ؟ أم هي لإثبات القدرة على السيطرة على الشعب المقهور ؟ أم هي حسن نية على القدرة على تثبيت التهدئة التي أصبحت هي الأمل الوحيد كما يعتقد البعض ..
و من هنا لا بد أن نقل كلمة حق و لا تخاف في الله لومة لائم .. إن شعبنا بحاجة منا لمزيد من حسن النوايا الصادقة ، لترسيخ الوحدة الوطنية و التأكيد على اللحمة الفلسطينية التي تجعلنا أقوياء قادرين على تحدي الصعاب و اجتياز العقبات ، و تمهيد الدرب من الأشواك و المعيقات التي ألقيت لتعيق المسيرة و تفشل تحقيق الأهداف .. فالمبادرة اليمنية جاءت لتهدف إلى إزالة الخلافات بين شطري الوطن و تقارب وجهات النظر وإنهاء حالة الانقلاب الشاذ والغريب على ثقافة ومعتقدات شعبنا الفلسطيني ، و نبذ الفرقة و التشرذم و الانقسام و لن يتأتى ذلك إلا من خلال التحاور الفلسطيني دون ترك المجال لأي من كان التدخل في الشئون الفلسطينية ، فالشأن واحد و يخص الجميع لأننا شركاء شراكة المناصفة فلا داعي للاقتتال لهذا أو ذاك ، لأن المسألة هي أمر وطني بحت لا بد أن ينتهي على الأرض الفلسطينية ، و ما الجهود الخارجية إلا للتوفيق و التوافق ، و ليس لتوسيع الصدع و زيادة الهوة و العبث في المقدرات الفلسطينية ، فلتكن الممارسات التي على الأرض مطابقة للواقع الجديد ، و تصديقاً لما تم التوقيع عليه ، و لا بد من إبداء حسن النوايا و البعد عن التراشق بالاتهامات و الشتائم و القذف ، لأننا بذلك نجسد البعد عن النهج الإلهي ، و التقرب للنهج المتربص بنا .. فلا بد أن تصدق النوايا الحسنة ليس قولاً إنما ممارسة و عمل لتقف ظواهر الملثمين و لتقف الاعتقالات و الملاحقات و سياسة الإقصاء و الإحلال و فرض الواقع فلتقف كل أنواع التشهير و التخوين و التكفير و ليتعدل الخطاب الإعلامي لنكن فعلاً على قدر الأمانة الموكلة إلينا من الله تعالى و التي قبل الإنسان على حملها ، و حمل الأمانة يتطلب صدق ومصداقية مع الذات أولاً ثم مع الآخرين .. ففي النهاية سيتعالى صوت الجماهير وسيزيل كل مظاهر الفرقة والانقسام لأن شعبنا انتظر وتحمل الكثير وهو الذي نعمل جميعا من أجله ولأجله .. وحقا للصبر حدود