غزة لا تهتزي شدة وراح بتزول... بقلم / فتحي غنَّام
في هذه الأيام تشتد الوطأة ، وتزداد الهجمة ، وتقسو الضربات ، ويُكشر عن الأنياب ، وتتضاعف حملات المداهمة والخطف والاعتقالات الهمجية ، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الصامد ، لتُقتل البهجة في عيد انطلاقة الثورة الفلسطينية الثالثة والأربعين وتوأد البسمة ، وتزهق الفرحة ، وهذه المرة ليس من قِبل الاحتلال ، إنما من أناس يدَّعون أنهم جزء من هذا الشعب وأخوة لنا ، فتركوا الحدود والثغور وتجاهلوا الاجتياحات وتناسوا العدو الأوحد ، ليوجهوا حمم غضبهم وقسوتهم وعنجهيتهم ضد أبناء الشعب الواحد ، الذي قارب على فقدان الصبر والتحمل ، لأن الهدف الأسمى قد تغير وأصبح الهدف الذي يسعون لتحقيقه هو توجيه الضربات المتتالية لأبناء الشعب الفلسطيني ، فالعلم الفلسطيني أصبح جريمة تُلاحق ، وراية حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) أصبحت تشكل لديهم هستيريا وجنون وصرع وحنق رهيب .
فلهذه الدرجة الحقد الدفين ؟؟ وعلى ماذا وضد ماذا ؟؟ ضد إرادة الشعب وثورته التي غيرت مجرى التاريخ ، وسجلت أنصع صفحات النضال وأعادت للعروبة عزتها وكرامتها بعد أن استبيحت في نكسة 1967م ، وكسرت أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر .
فمنذ أيام تم إعداد ما يسمى بالقوة التنفيذية وتجهزيها بالمعدات والأسلحة والوحدات النارية لشن هجوما قويا وحاسما على المواطنين الآمنين لمداهمة منازلهم ونزع رايات العزة والفخار و ذبح العلم الفلسطيني ذو الألوان الأربع الذي يمثل كافة فئات الشعب الفلسطيني والشهداء يتضاعفون والغارات تتوالى في ظل الانشغال بهذه الأمور غير الإنسانية ، أليس من سقط من الشهداء جزءا غاليا من قلب شعبنا المرابط ، ألم يمتون لنا بصلة ؟؟
فهذه المسكليات تمثل مجابهة الشعب برمته وليس فئة منه ، هل يا ترى تم إصدار منع الاحتفالات خوفا من الصدمة التي ستصيب البعض من الأعداد الغفيرة والزحف الرهيب الذي سيكون إذا ما تمت الدعوة لعقد مهرجانا واحتفالا مركزيا بمناسبة ذكرى انطلاقة الثورة ثورة الشعب الفلسطيني ؟؟ وذلك كما حدث في إحياء الذكرى الثالثة للشهيد الرمز الرباني ياسر عرفات ، والذي أريقت به الدماء واستبيحت به الحرمات وقُذفت به المحصنات ؟؟ أم هل خوفا من مواجهة الحقيقة بأن الجماهير فقدت الثقة بحكومة الأمر الواقع التي أتت وفرضت نفسها من خلال القتل وإراقة الدماء الزكية التي فاقت الدماء التي سالت على أيدي العدوان الصهيوني ظ؟ ولكن إن حركة فتح ومن خلال حرصها على أبناءها وأبناء الشعب الفلسطيني لم تدعُ لاحتفال أو مهرجان وفوتت الفرصة لأن قطرة الدماء الفلسطينية أغلى من كل شيء وأثمن من الكراسي والمناصب ، ولتجعل الهجمة المسعورة تبوء بالفشل الذريع للتكشف للجماهير النية الحقيقة لمن ينادون بالدين والإسلام جسدا وليس روحا ، لأن روح الإسلام أعظم وأكبر من الخطابات والكلمات الجوفاء ، لأن الإسلام دين العاملين ، ودين الصدق ودين المحبة والسماحة .
لقد سيق المبرر بمنع الاحتفال إذا ما تمت الدعوة له بأن احتفال حركة حماس قد منع من إقامته في الضفة الغربية ، وبناء عليه تم إصدار القرار مسبقا لمنع الاحتفال بانطلاقة الثورة الفلسطينية ، وللحقيقة إن هذا المبرر واهي للغاية ولا يمكن أن يدخل على أبناء شعبنا الذي عايش التغيير والإصلاح ، وعرف أين وجهت البوصلة ، وفهم النوايا جيدا وشاهد بأم عينه مالم يشاهده من العدو الحقيقي للشعب الفلسطيني ، وإذا ما جئنا للمفارقة بين الاحتفالين فإننا سندرك مدى النية المبيتة لمنع الاحتفال مسبقا منذ الاحتفال بذكرى الشهيد القائد أبو عمار رحمه الله في الساحة الصفراء ، حيث ثمة عدة تصريحات صدرت بهذا الصدد ، فانطلاقة حماس هي لفئة وشريحة واحدة من الشعب ، وستقام على أرض الضفة الغربية في ظروف مشوشة من قبل الاحتلال ، وخوفا من أن يتم استغلالها من قبل العدو وضربها لتعلق هذه الضربة على شماعة السلطة وخاصة حركة فتح ، سيما وأن الأجواء مهيأة تماما ، فحرصا على أرواح الأخوة وعدم تفاقم الإشكاليات واستغلال الفرصة من الغير تم منع هذا الاحتفال ، وليس من باب التجني أو الكراهية ، لأن القانون الفلسطيني وبكل صراحة ينص على حرية الاتجاهات وإقامة الاحتفالات وإحياء المناسبات الخاصة بكافة أبناء الشعب الفلسطيني ، أما الاحتفال بالانطلاقة الثالثة والأربعين للثورة الفلسطينية فلو تم العزم على إقامتها فإنها ستقام على ارض قطاعنا الحبيب المحرر ، ولا قوة إحتلالية عليه ولا خوف من أي جهة أن تفسد الفرحة والاحتفال ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الاحتفال لا يخص فئة أو شريحة بعينها ، بل يخص كافة الشعب الفلسطيني ، لأن الذكرى تعتبر انطلاقة الثورة الفلسطينية التي أثبتت الهوية الفلسطينية التي كانت في طريقها للتغييب والتذويب من خلال مؤامرات مستمرة وجادة ، فإن منعها وإصدار الأوامر لما يسمى بالقوة التنفيذية يعني معاداة الشعب الفلسطيني والتفرد بالرأي وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا من الشعب برمته لأن الشعب يسعى بكل طاقاته وإمكانياته للتوحد ونبذ الفرقة في الوقت نفسه الذي تسعى فئة منه بضرب كل ما هو شرعي ونسف المشروع الوطني ليتفسخ بذلك النسيج الاجتماعي العصي على كل المحاولات ، والذي حاول الأعداء جاهدين إلا أن محاولاتهم كلها باءت بالفشل ، وها هي الكرة مرة ثانية تستهدف هذا النسج وهذه اللحمة الوطنية ، التي تعبر عن الأماني لكل الشعب الفلسطيني .
والجميع يدرك أن منع الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة على قلوب كل الفلسطينيين ما زادت الشعب إلا حبا وتماسكا وكرست الكراهية لحكومة الأمر الواقع حتى من جماهير وعناصر هذه الحكومة ، وإن لم يكن الاستفتاء اليوم سيكون غداء وسيعلم الجميع ويرى بأم عينه كم هي الخسارة التي منيت بها هذه الحكومة وتيارها الذي تمثله ، فلصالح من تُمارس هذه الممارسات ، وهل تصب في صالح الشعب والوطن ، أم هي وبالا عليه ؟؟ ألم ندرك لهذه اللحظة الهجمة الصهيونية والحصار المفروض علينا ، ألم ندرك أنه لا بد من توجيه البنادق كل البنادق لمن يحاول قتلنا وتغييبنا ؟؟
فكان من المفترض أن تكن هذه الانطلاقة نقطة البداية للتماسك الفلسطيني للسير على النهج القويم والسليم والسديد نحو الأهداف المنشودة ، والتي تعبر عن أماني كل الشعب ولا تخدم فئة بعينها لها رؤيتها الضيقة ، ذات المصالح الشخصية الذاتية ، فلتكن المحاسبة للضمير قائمة باستمرار ولتكن مخافة الله نصب الأعين ، لأن الدنيا كلها عبارة عن ممر للآخرة ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يرى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يرى , وليعلم الجميع أن إصدار القرارات التي تمنع الشعب من الاحتفال بذكرى انطلاقة ثورته دون الدعوة منه لذلك ما هو إلا انتصار وتقدم في الكم والحشد الجماهيري وخسارة على من اصدر هذه الأوامر وسيكون الندم ومراجعة النفس لدية قائمة إن لم يكن الآن فلاحقا ، ولكن العزة بالإثم غالبة هذه الأيام ، وعلى الرغم من هذا المنع وهذه الهجمة إلا أن الشعب سيحتفل كل على طريقته ولن تعيقه قوة مهما كانت ، فإن الاحتلال الصهيوني بسطوته وجبروته إلا أن الاحتفالات كانت تقام وتعبر عن الإرادة الجماهيرية ، لأن هذه الإرادة لن تهزم ولن تحاصر مهما بلغت الغطرسة وبلغ القهر ..
فكل التحية للشعب الفلسطيني في ذكرى انطلاقة ثورته الثالثة والأربعين ، والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار ، والحرية كل الحرية لأسرى الحرية ، والشفاء العاجل للجرحى ومن بترت أطرافهم ، وعاشت الذكرى ..
ولتعلمي ياغزة أنها شدة وستزول كما زال فرعون وقارون .. فمهما كان البغي وتعاظم لن يبلغ بغي وطغيان الجبابرة ، ولكن أين هم الآن ..؟؟ ولا يسعني إلا أن اقل في الخاتمة مرددا قول القائد الرباني الأخ أبو عمار / الضربة التي لا تميتنا تزيدنا قوة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .