أهداف حركة فتح..محاولة للفهم!!.. بقلم / فتحي غنَّام
حركة فتح عندما دشنت انطلاقتها المجيدة العظيمة حرصت على أن تكون هذه الانطلاقة من خلال رصاصات صائبة ، نسفت المشروع الصهيوني في تحويل مجرى نهر الأردن إلى صحراء النقب ، عن طريق نفق عيلبون ، ليتم استغلال هذه الأرض في جلب المستوطنين الذين لا هوية لهم ، ليحلوا مكان أصحابها الشرعيين ، أصحاب الهوية الفلسطينية ، و العمق العربي ، حيث تعتبر فلسطين جزء من الوطن العربي ، و الشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية ، و كفاحه جزء من كفاحها ، بهذا المنطق انطلقت الحركة .
و ليس من خلال أوهام و خطابات خالية من المضمون و الجوهر ، و ليس من خلال جمعيات عثمانية استمدت شرعيتها و صفتها من خلال الإدارة المدنية الصهيونية ، انطلقت من خلال الإرادة الجماهيرية القوية ، التي عبرت عن النبض الجماهيري و الضمائر الحية ، التي مدتها بالصيرورة و الديمومة و المواصلة ، كي تحقق الأهداف السامية التي وضعتها نصب أعينها و أعطتها صفة الإستراتيجية الثابتة ، التي لا تتغير و لا تسقط بالتقادم ، و هذه الأهداف واضحة وضوح الشمس ، لأنها نابعة و منبثقة من الصميم الوطني الفلسطيني ، و تعبر عن أمانيه في استرداد حقوقه الشرعية الثابتة غير القابلة للتأويل أو التسويف أو المراوغة ، فقد أساء الكثير فنهم هذه الحركة بمفاهيمها و مبادئها و أساليبها و أهدافها ، بقصد أو بدون قصد ، أو تحت وطأة العناد و التصلب الفكري الأعمى ، أو انصياعاً للأجندة المفروضة من جهات غير معنية انطلاقاً بهذا الشعب الصابر المرابط ، و لكن هنا نوضح الأهداف العامة لهذه الحركة ، و ذلك انطلاقاً من الأمانة الوطنية و الفكرة الملقاة على كاهل كل فلسطيني وطني حر غير متأثر بالتجاذبات الخارجية مدفوعة الثمن ، أو المجانية لخدمة أهواء الغير ، و التي تصب في مصلحة إجهاض القضية ، و محاولات التذويب و الطمس و التغييب ، و لا بد للجميع أن يتفهم جيداً هذه الأهداف ، قبل إلقاء العثرات و الاتهامات الجزافية و إلصاقها بهذه الحركة التي لها الباع الطويل في إبراز الشخصية الفلسطينية في المحافل الدولية ، و إكسابها الصفة اللائقة بتضحيات هذا الشعب الذي أعطى و مازال لإثبات الهوية ، و المحافظة عليها و التصدي لكل المحاولات الهادفة لتغيرها أو العبث بمقدراتها و سمعتها ، فمن الجريمة الحكم على شيء لمجرد أنه لا يتساير و أهواء البعض ، أو يتعارض مع المستورَد و الغريب على الثقافة الفلسطينية ، لأن الإنسان ميَّزه الله تعالى بالعقل و المنطق و الفكر عن المخلوقات الأخرى ، فإن انسلخ منها سيكون كالأنعام و كمن ينعق بما لا يسمع ، فمحاولةً للفهم و الوقوف على هذه الأهداف التي توضح ماهية هذه الحركة بالشكل الصحيح ، و بعد محاولة الفهم يكون التقرير ... و لكن فهم من أراد أن يفهم ، فهم من يغار على المصالح الوطنية ، فهم من يتقي الله حق تقاته ، فهم قابل لتغيير المفاهيم الخاطئة و رفض الاتهامات الباطلة ...
فحركة فتح انطلقت ليس لتكون هدفاً أساسياً و مطافاً نهائياً ، إنما هي إطار تنظيمي له قواعده و أسسه السمحة و المناسبة لكافة فئات الشعب ، لتؤدي به و توصله لأهدافه السامية ، و تحقق أحلامه بواقعية و انسيابية .. و لا توقعه في ضروب المستحيل التي تكبله و تجعله يعاني معاناة تضاف لسلسلة المعاناة المتكررة ...
فشعبنا الفلسطيني صاحب قضية عادلة و مقدسة ، و لا بد من هذا الشعب بأسره أن يتكاثف ويتوحد لإنصاف قضيته و استعادة حقوقه كاملة غير منقوصة ..
الهدف الأول : تحرير فلسطين تحريراً كاملاً و تصفية الكيان الصهيوني اقتصادياً و سياسياً و عسكرياً و ثقافياً .
الكيان الصهيوني هو كيان معادي للتحرر بكافة أشكاله ، و عنصري في تركيبه و هيكله و أهدافه ، حيث يستهدف الشعوب الآمنة لينتهك حرياتها و يستولي على خيراتها ، و قد اتخذ هذا الكيان من عباءة الدين اليهودي ستاراً يحقق أهدافه من خلال ذلك ، فكل صهيوني يهودي و ليس كل يهودي صهيوني ، و الصهيونية فكر و ممارسة ، قامت هذه الصهيونية لاحتلال فلسطين الوطن الطبيعي للفلسطينيين ، و طرد أهلها الأصليين لتجلب إليها عناصرها و جماعاتها ، لتقيم ما يعرف بالدولة الصهيونية ، و ذلك لما لفلسطين من أهمية تاريخية و جغرافية و دينية خاصة ، و شرعت في تصفية الهوية الفلسطينية و تهويد معالم الوطن باستخدام كافة الأساليب البربرية العنصرية القهرية ، و من هنا و من تحت وطأة التآمر الإمبريالية الداعم للصهيونية لالتقاء الأهداف ، و في ظل الصمت العربي الرهيب تمت السيطرة على أرض فلسطين و أصبح الكيان الصهيوني متربع على قلب الوطن ، و هذا الوضع بالطبع بحاجة لثورة وطنية تجمع الجميع لأن الكل قد تأثر ، و الأرض تخص الكل دون أي استثناء ...
لذلك لا بد من العمل على تحرير الأرض من خلال هذه الثورة الشعبية و استمرار العمل ضد هذا الكيان الغاشم القائم على الاغتصاب و القهر ، لأنه عدو الشعوب كافة ، فتصفيته من الناحية الاقتصادية و السياسية و العسكرية و الثقافية واجب وطني منوط بكل فلسطيني و تحرري أممي سيما و أننا نلتقي بكافة القائمين على محاربة هذا الكيان المستهدف للشعوب و قاهرها ، و ملاحقته أينما حل لأن وجوده يهدد الأمن و السلام و التحرر العالمي و ليس الفلسطينيين فحسب ، لأننا في البداية و النهاية جزء لا يتجزأ من قوات التحرر العالمية القائمة على مقاومة الاستعمار و الاغتصاب و العنصرية ، و هذا التحرر الكامل للتراب لن يأتي مرة واحدة لأننا نؤمن إيمان مطلق أننا نواجه عدواً له إمكانياته و تحالفاته و قدراته و نحن بإمكانياتنا المتواضعة المدعومة بالإيمان بالله أولاً ثم بعدالة القضية و حتمية النصر .. فالتحرر قد يكون جزئيا وعلى مراحل متتالية و لا ضير في ذلك من خلال المرحلية التي طرحتها الحركة لواقعيتها ، و من خلال دراستها للمعطيات الفلسطينية و العربية و العالمية و الخاصة بعدونا نفسه ، فرحم الله امرئ عرف قدر نفسه و نحن عرفنا قدرنا جيداً ، و عرفنا كيف نحرر أرضنا ، و لكن النية التي لا يعلمها إلا الله تعالى يكمن في جوهرها كامل التراب حتى أصبع الجليل ، و لن نفرط في ذرة رمل واحدة و هذا ما نص عليه النظام الأساسي للحركة و ما آمن به كل أبناء الحركة فليس الرضا بحدود 67 يعني النهاية ، لا و ألف لا بل كل التراب ، فما نحرره نقيم عليه كياننا حتى التحرير الكامل (( و كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة و ما النصر إلا من عند الله ..)) .
فلا بد أن نكون واقعيين و منطقيين و أن نمارس الخدعة فالحرب خدعة و الدين علمنا كيف نحرر أراضينا ، و تجارب الثورات العالمية أثبتت نجاعة التحرر من خلال الثورة لذا قالت فتح و بصوت عالي و لا صوت يعلو عليه .. ثورة حتى النصر .. و النصر يتمثل في تحرير كامل التراب و تحرير الإنسان و المغتصبات ..
الهدف الثاني : إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية ذات سيادة على كامل التراب الفلسطيني و تحفظ للمواطنين حقوقهم الشرعية على أساس العدل و المساواة دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة ، و تكون القدس عاصمة لها ..
بناء على الهدف الأول القائم على تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني يتم إقامة الدولة الفلسطينية على هذا التراب الوطني ، و هذه الدولة لها طابعها المشروط و المتوج بالديمقراطية و الاستقلالية و لها السيادة على كامل تراب الوطن .
و تكريس الديمقراطية يتأتى من خلال أن كافة فئات الشعب الفلسطيني شاركت فعلياً في عملية التحرير من خلال حركة فتح ، و أصبحت بعد التحرير تتمتع بوجودها على الأرض التي تمنح الجميع الهوية و الوجه الفلسطيني ، ليمارس الجميع الديمقراطية الحقيقية في اختيار نظام الحكم و طبيعيته و اتجاهه ، فلا أحد يقدر على فرض نظام معين على الشعب إلا من خلال اختيار الشعب نفسه لهذا النظام من خلال إجراء العملية الانتخابية التي تترجم عملية الديمقراطية بنزاهتها و حيويتها ، فلو تم اقتصار النضال على فئة معينة فسنغرق في صراعات داخلية صعبة للغاية تستنفذ طاقاتنا التي من الأوجب أن توجه صوب عدو أوحد هو الكيان الصهيوني ، فطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني طبيعة وطنية بحتة لتحرير الأرض و من ثم يتم تحديد وجهة هذه الدولة ، و الأقلية تتبع الأغلبية حسب سماحة الأديان و عرفها و نهجها ، و هذا سيضاعف التحابب و التوادد و التلاحم و تقوية الصف ، فهذه الأرض هي وقف لله و ملك للجميع و لا يجوز لفئة أن تعبث بها منفردة و لا يجوز أن تقرر أمر بمعزل عن الآخرين لأن بذلك تكرس التمرد البحت الخارج عن النطاق الثوري و الجماهيري لأن الثورة تقوى و تترعرع من قلب الجماهير ، و إن خرجت عن هذا النمط تكون تمرد لابد من وأده و إيقافه لأنه وبال على الشعب و القضية برمتها ، هذا و اشترطت حركة فتح و بالتحديد أن تكون القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية ، ولا بديل عنها و القدس تخص كل الديانات و منبع السماحة و مبعث الهداية للجميع ، و كل منا يؤمن إيماناً مطلقاً بكافة الرسالات و كافة الأديان السماوية و شروط الإيمان هو (الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله ... )).
و هذه الدولة التي هي هدف كل الفلسطينيين لا بد أن تحفظ لكافة المواطنين حقوقهم بالعدل و المساواة و عدم التفريق بين أي منهم بسبب الدين أو العنصر أو العقيدة لأننا جميعاً مخلوقات الله ، خلقنا لعبادته و التسبيح له و كل يعبد الله حسب نهجه ودينه و الدين لله و ليس لنا سلطان على أحد (( لا تهدِِ من أحببت إن الله يهدي من يشاء ..)) الهداية من الله ، و التقوى من الله و لكن لا نسمح لأي طرف أو وجهة أن تشق علينا عصا الجماعية مهما ادَّعت و ساقت من الأوهام و الأكاذيب و مهما أوَّلت و حرَّفت .. فالدين واضح وضوحاً جلياً و ليس بحاجة لمن يسيء له بالتفسير و اقصاره على البعض دون الغير ، فالتكفير من المحرمات و الممنوعات و تجاوزه يبوء به أحدهما .
الهدف الثالث : بناء مجتمع تقدمي يضمن حقوق الإنسان و يكفل الحريات العامة لكافة المواطنين . بعد عملية التحرير التي يخوض معركتها كل أبناء الوطن الواحد بالوسائل المتاحة و على رأسها الكفاح المسلح المتمثل بحرب التحرير الشعبية ، لا بد من إقامة مجتمع تقدي حضاري يساير المجتمعات المتحررة للتخلص من مصطلح العالم الثالث ، و لنبذ التخلف و الرجعية ، و إبطال الآراء التي تنادي بعدم قدرتنا على مواكبة التطور و التقدم و هذا المجتمع الذي تم تحديده من الأغلبية يضمن و بكل أريحية حقوق الإنسان كإنسان من كافة الجوانب المادية و المعنوية سيما و أننا لا نملك إلا الإنسان هو رأس المال الحقيقي لنا وهو اللبنة الأساسية في البناء المجتمعي ، فلا بد أن نعنى عناية خاصة بهذا الإنسان ليتخلص أولاً من ترسبات الاستعمار البغيض و ما التصق به من عوارض طارئة ، و كفالة حرياته الخاصة و العامة كي يمارس حياته بكل حرية و انطلاق و ليشارك مشاركة فعالة في عملية البناء و التقدم التي هي منوطة بالكل دون استثناء ، فالجميع سواسية في الدولة ليس لأحد فضل على غيره (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم .. )) (( كلكم لآدم و آدم من تراب )) ..
الهدف الرابع : المشاركة الفعالة في تحقيق أهداف الأمة العربية في تحرير أقطارها و بناء المجتمع العربي التقدمي الموحد ..
إن واجب هذه الثورة العملاقة و هذه الحركة الشماء لا ينتهي عند هذا الحد بل يستمر للمشاركة الفعالة في الإسهام بشكل مباشر في تحقيق أهداف الأمة العربية و رفع الظلم الواقع عليها ، لأنها جزء من هذه الأمة و نضالها جزء من نضال هذه الأمة ، و الكل يسعى لبناء مجتمع عربي تقدمي حضاري ينعم الكل به بالرخاء و الهناء و السعادة و التكافل و مساعدة بعضنا البعض كعرب تربطنا آمال و آلام و تاريخ و لغة و حضارة و مستقبل واحد نسعى إليه ليكون زاهراً مضيئاً نحقق من خلاله كل الأماني الحقيقية ، و لا نعني بذلك تدخل ثورتنا في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية لأن شؤون أي دولة هو شأن داخلي على عاتق أبناءه و لكن مشاركتي في رفع الظلم الخارجي الذي يقع على هذه الدولة أو غيرها من أطماع في خيراتها أو السيطرة على بعضها لأهميتها و موقعها و السعي بكل جد لمساعدتها في التخلص من هذا الظلم الواقع كي ينعم شعبنا بالأمن و الأمان كما هي قدمت لي المساعدة و الوقوف بجانبي إبان الاحتلال الغاشم فهذا دور يقع على كل عربي ينتمي لهذا الوطن العربي الكبير ..
الهدف الخامس : مساندة الشعوب المضطهدة في كفاحها لتحرير أوطانها و تقرير مصيرها من أجل بناء صرح السلام العالمي على أسس عادلة ..
تسلسلت بنا الأمور بتحرير الأرض الفلسطينية و الإنسان الفلسطيني و التكاثف العربي و تقديم العون له لرفع الظلم الواقع عليه أو الذي سيقع ، و تحرر الأقطار العربية المستهدفة ثم النظر للعالم و مناصرة الشعوب المضطهدة لأن الاستعمار و فكره يستهدف الحريات أينما كانت و يضرب الشعوب الآمنة في أي مكان و طالما أن حركة فتح فلسطينية الوجه و الهوية ، عربية العمق ، عالمية و أممية الأبعاد ، إذاً لا بد أن تساند كافة الشعوب التي يقع عليها الظلم و القهر و تساهم فعلياً في كفاحها ضد العدو المشترك و المستهدف للشعوب كي تتحرر هذه الأوطان و ينعم الجميع بالأمن و الأمان لتقرير مصيرها حسب رغبة جماهيرها ليتحقق في النهاية الصرح القائم على السلام العالمي على أسس محاولة تضمن الحق للجميع و يشارك فيه الجميع بروح الوطنية العالية الحالمة و التي تتطلع بالحرية و الاستقلال لكافة الشعوب المقهورة و المظلومة و هذه سلسلة مترابطة بين كافة التحرريين في العالم لأن الأهداف العامة تتوحد لأنها تستهدف كل قوى الطغيان و البغي العالمي .. فالشعوب لها إرادتها و لها استقلاليتها و شخصيتها التي بتوحدها و تحررها يتكون صرح السلام العالمي الذي ينعم الجميع به بروح الطمأنينة الأمن و الأمان ...
هذه هي أهداف حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح و التي يحاول البعض فهمها بشكل مغلوط ليلصق بهذه الحركة الاتهامات الباطلة و المستوردة فهي حركة وطنية و ستظل وطنية و على استعداد أن تقدم المزيد من التضحية ليظل القرار الفلسطيني نابع من الإرادة الفلسطينية رافضاً كل أنواع التبعية و الوصاية و الرضوخ فالمسيرة طويلة و شاقة و هذه الحركة أمانة توصلها الأجيال لبعضها بكل شفافية و نزاهة لتظل قضيتنا العادلة على رأس الأولويات و لن يتحقق الأمن و الأمان في العالم إلا من خلال أن تحقق هذه القضية أهدافها و تصل لمبتغاها الأسمى الذي يعبر عن إرادة الجماهير ، و إرادة الجماهير حليفها النصر دائماً بإذن الله تعالى و ما النصر إلا من عند الله و بإذن الله من خلال سواعد أبناء الثورة الفلسطينية أبناء الفتح العظام الذين يتسامون على كل الجراح و يترفعون عن كل الصغائر و إنها لثورة حتى النصر ...